ماذا تعرف عن زكاة الفطر ؟؟











زكاة الفطر
   إن الله تبارك وتعالي قد أقام هذا الدين علي أركان ولا يكتمل الدين إلا باكتمال أركانه لأن الدين كل لا يتجزأ . وهذه الأركان تقوم علي حماية الفرد بما يؤديه من عبادات لله تبارك وتعالي علي اختلاف أنواعها من صلاة وصيام وحج لمن توافرت فيه شروطه . كما أن من هذه الأركان ما يقوم علي حماية ضعفاء المجتمع من الاحتياج والسؤال وإذلال الوجه طلبا للحاجات .
    من بين تلك الأركان ركن عظيم الشأن رفيع القدر وهو ركن الزكاة وهو الركن الذي يربط بين طبقات المجتمع فهو وسيلة لإذابة الرواسب والأحقاد بين الأغنياء والفقراء بحيث تذوب جميع فئات المجتمع في بنيان واحد ليعيش الكل في طاعة الله لا تشغلهم شواغل عن طاعة الله . ولذا فقد تعددت أنواع الزكاة حتى يكون أهل الخير علي صلة دائمة بالفقراء وذوي الاحتياجات يخرجون الزكاة علي اختلاف أنواعها في مواعيد معينة ومواقيت محددة . فتري أن زكاة المال تخرج في ميعاد استحقاقها وكذلك سائر أنواع الزكاة الأخرى من زكاة الحلي وزكاة عروض التجارة والزروع والثمار والماشية إلي غير ذلك من أنواع الزكاة .
    ونجد أن هناك نوعا من أنواع الزكاة جعل وقت إخراجه في موعد محدد من قبل رب العزة جل في علاه – بصرف النظر عن المواعيد المعروفة في سائر أنواع الزكاة الأخرى – مراعاة لحال الفقراء والمساكين وغيرهم من الأصناف التي تعطي لهم أموال الزكاة وأنهم في هذا الوقت في أمس الحاجة إلي مد يد العون من أجل الخير . وهذا النوع يطلق عليه بين أهل العلم زكاة الفطر والتي يجب علي المسلمين إخراجها في كل سنة في شهر رمضان علي نحو ما سنبينه إن شاء الله بعد قليل .
    نظرا لأن زكاة الفطر يتعرض لها الناس بالسؤال في كل عام ولأنها فرحة المسلم يمن بها الله عليه فإننا نري وللأسف الشديد من يضيقون واسعا في هذه المسألة ونري أن كثيرا من إخواننا يتسببون في إحداث الفتن في المساجد ومنهم من يتجرأ علي العلماء بكلمات ما أنزل الله بها من سلطان ومنهم من يخاصم إخوانه في المسجد أو جيرانه نظرا لاختلافهم معه في حكم تلم المسألة الفقهية ولذا نقول لإخواننا وأبنائنا عباد الله اتقوا الله فبدلا من أن تكون سببا في إثارة الفتن في المساجد بين المسلمين كونوا أهل الخير وتفقهوا في أمور دينكم وتعلموا الأحكام الشرعية وتلقوا العلم من أهل العلم دون تعصب لرأي والرفض الجازم لمجرد الاستماع إلي الرأي الآخر ووجهه نظره في المسألة .
    وفيما يلي نقف علي الأحكام الفقهية الشرعية المتعلقة بزكاة الفطر لنتعلم جميعا ولنخرج من هذا الخلاف الذي يدور مع وقت إخراجها .
  لماذا سميت بهذا الاسم :
    سميت بهذا الاسم – زكاة الفطر – لأنها تخرج قبل صلاة العيد وكأن المسلم يتمم فرحته بفطره بإخراجها ليشكر الله تبارك وتعالي علي أن منَّ عليه ويسر له صيامه في هذا الشهر الكريم المبارك .
  حكم زكاة الفطر :
    تجب زكاة الفطر علي كل مسلم ملك قوت يومه وليلته ومعني أنها واجبة أن إخراجها ليس منَّة من العبد يمن بها علي الفقراء والمحتاجين إنما أمر فرض عليه علي سبيل الإلزام من قبل رب الأنام جل في علاه . ولمن لا يعرف معني الواجب تقول أن الواجب هو الفعل الذي يثاب الإنسان علي فعله ويعاقب علي تركه . فالصلاة مثلا واجبة من صلي فله من الله أجر ومن تركها فعليه وزر كذلك زكاة الفطر فإن إخراجها واجب علي من توافرت فيه شروط إخراجها – علي نحو ما سنوضحه بعد قليل – ومن توافرت فيه الشروط وامتنع عن إخراجها فهو أثم شرعاً .
  دليل وجوبها :
    استدل العلماء علي وجوبها بأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم وبإجماع أهل العلم سلفا وبيان ذلك فيما يلي :
  1 – من الكتاب :
    قال تعالي(وأقيموا الصَّلاةَ وآتوا الزَّكاة وارْكَعوا مع الراكعِين(
  وجه الدلالة :
    روي نافع عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهم – أن المراد بهذه الآية زكاة الفطر وهذا ما عليه كثير من أهل العلم .
  2 – من السنة :
    فقد روي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان علي كل نفس من المسلمين حراً أو عبداً رجلا أو امرأة صغيراً أو كبيراً : صاعا من تمر أو صاعا من شعير – أخرجه الإمام مسلم .
  وجه الدلالة :
    يتضح من هذا الحديث النبوي الشريف أن النبي صلي الله عليه وسلم قد فرض علي المسلمين زكاة الفطر وهذا يتضح من بيان قدرها وعلي من تجب وما إلي غير ذلك مما بينه الحديث النبوي الشريف .
  3 – الإجماع :
    حيث أجمعت الأمة علي فرضيتها سلفاً وخلفاً علي فريضتها ووجوبها وهذا واضح من امتثالهم في إخراجها .
  الحكمة من زكاة الفطر :  
    قبل أن أتحدث عن الحكمة من زكاة الفطر أود أن أشير إلي أنه يجب علينا أن نفعل كل ما أمرنا به في كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم دون التقيد بمعرفتنا عن الحكمة التشريعية لأنه ليس بالضرورة أن نكون علي علم تام ومطلق بالحكمة التشريعية من الأحكام الشرعية . ومن ثم فعلينا الامتثال والتطبيق دون الوقوف علي الحكمة التشريعية منه لكن إذا وجدت وعلمناها فليكن ذلك سبيلا إلي المواظبة عليها وتعلق القلوب بها وما لم نعلمه فعلينا أيضا أن نطبقه تحقيقا للامتثال الكامل وفيما يلي بيان بعض من
الحكم التشريعية لزكاة الفطر .
  1 – زكاة الفطر تطهير للصائم :
    شرعت زكاة الفطر تطهيراً للصائم من الأخطاء التي قد يقع فيها في هذا الشهر الكريم خاصة وأن الله تبارك وتعالي يقول في محكم كتابه العزيز : (خُذْ من أموالِهِم صَدَقَةً تُطهِّرُهُم وتُزَكِّيهِمْ بها.) فدلت تلك الآية الكريمة علي أن الصدقة تطهير للفرد من الآثام والمعاصي التي يقترفها بشرط أن يقصد بصدقته التوبة الخالصة إلي الله تبارك وتعالي.
  2 – إعانة الفقراء في أيام العيد :
    مما لاشك فيه أن هذه الأيام تحتاج إلي توسعة علي الأهل وهذه التوسعة تحتاج إلي نفقات مادية عليهم فكيف بالذي لا يملك قدرا يسيرا من المال ليوسع به علي زوجه وأولاده وكيف بالحالة النفسية التي يتعرض لها رب الأسرة وشعوره بعجزه عن توفير احتياجات أسرته في مثل هذا اليوم . وكيف بتلك الأسر التي يري صغارها من حولهم من الصبيان ينعمون ويتمتعون وهم مكتوفو الأيدي .
    لذا كانت زكاة الفطر توسعة علي هؤلاء وعلي أسرهم وفي هذا لفتة طيبة من الشارع الحكيم حيث يتضح لنا جميعاً أن الإسلام دين شمولي بمعني أنه شمل بتعاليمه ما يكفل صلاة الفرد والمجتمع .
  3 – إذابة الأحقاد والضغائن بين أفراد الأمة :
    نظر الإسلام بمعني الرفق والعطف إلي هؤلاء الذين لا يجدون ما ينفقون في مثل هذه الأيام وكيف أنهم قد ينظرون إلي الأغنياء نظرة فيها حقد أو ضغائن لما يرونه في أيديهم من نعم منَّ الله بها عليهم فكانت زكاة الفطر ليتساوي كافة أفراد المجتمع في هذا اليوم غنيهم وفقيرهم .
  4 – تذكرة للأغنياء بحال إخوانهم من الفقراء :
    كثيراً من الناس لا يذكر فضل الله عليه فيما منَّ به عليه من نعم إلا إذا رأي ما يذكره به أو تعرض لواقعة تؤدي إلي تذكيره ومما لاشك فيه أن المال نعمة من بين النعم التي منَّ الله بها علي عباده . فحينما يقبل الأغنياء علي إخراج زكاة الفطر لمستحقيها فإن ذلك تذكرة حقيقية لهم بحال هؤلاء مما يؤدي إلي الشعور بهم والسعي دائما لمعاونتهم ابتغاء مرضات الله تبارك وتعالي .
  علي من تجب الزكاة :
    ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلي أن زكاة الفطر تجب علي كل مسلم بالغ عاقل يملك من المال ما يعينه علي نفقة يوم وليلة ونفقة من يجب عليه الإنفاق عليهم . ومن ثم فلا يشترط لوجوب زكاة الفطر وجود نصاب معين من المال لدي الشخص الذي يقوم بإخراج الزكاة كما هو الحال في زكاة المال الذي يشترط لوجوب إخراجها بلوغ مال المزكي قدراً معيناً . خلافا للإمام أبي حنيفة الذي يشترط يسار الشخص ووجود سعة لديه في ماله
  دليل الجمهور :
    استدل الجمهور علي ما ذهبوا إليه بالسنة النبوية المطهرة فعن ثعلبة ابن أبي صعير أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال أدوا صاعا من قمح أو صاعا من بر عن اثنين صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر أو مملوك غني أو فقير أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد عليه أكثر مما يعطي – أخرجه الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى .
  وجه الدلالة :
    ووجه الدلالة من هذا الحديث النبوي الشريف يفيد وجوب الزكاة علي الفقير كما هي واجبة علي الغني ويفيد أن الزكاة تزكي ماله ونفسه وأنها سبب في جلب الرزق إلي الفقير لأن الله سبحانه وتعالي يعوض الفقير عما أخرج أضعاف ما أخرج . فإذا كان الله – سبحانه وتعالي – يعوض الغني صاحب المال الكثير والخير الوفير فكيف يكون حال الفقير مع الله عز وجل ؟
  وقت وجوبها :
    اختلف الفقهاء في وقت وجوب إخراج الزكاة علي رأيين ذلك فيما يلي :
    ذهب الحنفية إلي أن زكاة الفطر تجب بطلوع فجر يوم عيد الفطر لأنها قربة إلي الله تتعلق بوقت معين فيتعين إخراجها فيه .
    أما جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة فيرون أنها تجب بغروب آخر شمس يوم من أيام رمضان .
  ثمرة الخلاف بين الفقهاء :
    تظهر ثمرة الخلاف فيمن مات بعد غروب الشمس آخر يوم من أيام رمضان أن ولد قبل فجر يوم العيد . فيري الحنفية أن من مات أو ولد قبل فجر يوم العيد لا تجب عليه زكاة الفطر . أما عند جمهور الفقهاء فإن من مات بعد غروب شمس آخر يوم من أيام رمضان وجب عليه الزكاة ، أما من ولد بعد الغروب فلا زكاة عليه .
  الترجيح :
    ونرجح ما ذهب إليه الجمهور لأنه الأحوط وهو الذي يتمشي مع عموم الأدلة والنصوص القطعية التي تؤكد ذلك كما نص كثير من الفقهاء علي ذلك في أقوالهم . يؤكد لنا هذا ما روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما يرويه عنه الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال : فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " .
  ما يرشد إليه الحديث :
    يرشدنا هذا الحديث النبوي الشريف إلي أن زكاة الفطر واجبة وفيه دليل علي أن الصدقات تكفر السيئات ويفيد أن وقت إخراج زكاة الفطر يكون قبل صلاة العيد فلو أخرت إلي ما بعد صلاة العيد من غير عذر فهي صدقة من الصدقات .
صفة زكاة الفطر :
    اختلف الفقهاء في صفة زكاة الفطر هل يجب إخراجها حبوبا أم مالا علب رأيين وبيان ذلك فيما يلي :
  1 – مذهب جمهور الفقهاء :
    ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلي القول بوجوب إخراج زكاة الفطر حبوبا وقالوا بعدم جواز إخراجها نقداً .
  2 – مذهب الحنفية :
    ذهب الحنفية ومن وافقهم إلي أن الأصل في إخراج زكاة الفطر هو الحبوب ويجوز تقويم قدرها مالا وإخراجه عوضا عن الحبوب .
    ومن ثم فكلا الرأيين له ما يقويه ويجعله صالحا للإتباع فالحنفية لم يخالفوا الجمهور في صفة زكاة الفطر ولكنهم كانت لهم وجهة نظرهم التي لا يمكن إغفالها في عصرنا هذا وهي فعل ما فيه مصلحة للفقير لأن الفقير قد لا يكون في حاجة لتلك الحبوب وإنما تكون حاجته في المال الذي يشتري به ما يريد وأسرته . مما قد يضطر بعضا من الفقراء إلي بيع تلك الحبوب ليقعوا فريسة في أيدي بعض التجار الذين لا يتقون الله تبارك وتعالي ليشتروا منهم تلك الحبوب بأقل من نصف قيمتها وبذلك نكون قد أضعنا عليهم فرصة الانتفاع بأكبر قدر ممكن من هذا المال .
    ويعلم الله أننا لا نريد نصرة رأي علي أخر إنما نود أن نلفت نظر الأمة بأكملها بأن في المسألة اتجاهين للعلماء ولنا الأخذ بأيهما دون أن نفرض علي الآخرين مما نميل إليه وأذكر الجميع بقول النبي صلي الله عليه وسلم إنما بعثتم ميسرين ويقول أيضا صلوات ربي وسلامه عليه يسروا ولا تعسروا . ومن ثم فبدلا من أن نقحم أنفسنا في خلافات فرعية علينا أن نشغل أنفسنا بما هو نافع وبناء وما من شأنه الرقي بالأمة والنهوض بها لما فيه صالح الدنيا والآخرة .
    والله تبارك وتعالي أسأل أن يتقبل منا ومنكم الأعمال وأن يجعل هذه الأيام أيام خير وبر وبركة وسعادة وأن يجعلها في ميزان حسناتنا اللهم أمين يارب العالمين وصلي اللهم علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه وسلم .    
                         



subscribe

الاشتراك

ضع إميلك ليصلك كل جديد

oketrik

0 التعليقات to ماذا تعرف عن زكاة الفطر ؟؟ :

إرسال تعليق

 
مدونة حبل الله التصميم والتطوير
عد الى الخلف