كيف تكون مسلما حقا ؟
قال الله تعالى :-
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
( سورة ال عمران 102)
انظر إلى هذا الحديث النبوي بتدبر
( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ، قال: بلى أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعنالله من قلوب عدوكم المهابة وليقذفن في قلوبكم الوهن ، قيل وما الوهن يا رسول الله ؟
قال: حب الدنيا وكراهية الموت )
المسلم الحق من آمن بالله رباً و بالإسلام دينا وبمحمد" صلى الله عليه وسلم" نبيا ورسولاً .
الإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً ولم يكن له شريك فى الملك ولم يكن له ولىُ من الذل ,وخلقَ كْلَّ شئ فقدره تقديراً .
الإيمان بالله القادر الخالق البارئ المصور الجبار القهار العزيز الذي لا يغالب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن المتكبر ذو الجلال والإكرام .
الإيمان بأنه لا معبود بحق سوى الله جل وعلا وأن كل شئ في الكون يجرى بقدرته ومشيئة وتدبيره لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن.
فتباركَ اسم’ ربك وتعالى جده وجل ثناؤه إلهٌ واحدٌ لا شريكَ له ولا شئ مثلُهُ ولا شئ يعجزه ولا إله غيره قديم بلا ابتداء دائم بلا انتهاء لا يفنى ولا يبيد ولايكون إلا ما يريد لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا يشبه الأنام حي لا يموت قيوم لا ينام خالق بلا حاجة، رازقُ بلا مؤنة، مميت بلا مخافة ، باعث بلا مشقة ،مازال بصفاته قديماً قبل خلقه لم يزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته وكما كان بصفاته أزليّاً كذلك لا يزالُ بها أبديا.ً
لا يحتاج إلى شئ ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، خلق الخلق بعلمه وقدرته وقدَّرَ لهم أقداراً وضرب لهم آجالاً وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم وآمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته.
والإيمان بالكتب السماوية التي أنزلها الله وبرسله الذين أرسلهم مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
والشاهد على الكتب والرسل السابقة هو القرآن الكريم والرسول الذي أنزل عليه القرآن الكريم وهو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب "صلى الله عليه وسلم " فقد جعل الله القرآن مهيمنا ً على الكتب السابقة أى شاهداً وحاكما وأمينا عليها, ولقد دخل التحريف والتغيير والتبديل الكتب السابقة وبقى القرآن الكريم محفوظاً بحفظ الله تعالى له.
كما قال جل شأنه:" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "
لذا تجب علينا طاعة الرسول" صلى الله عليه وسلم " والاستمساك بكتاب الله وسنة رسوله "
صلى الله عليه وسلم " وإتباع شريعته لقوله تعالى :-
"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" لأنه "صلى الله عليه وسلم"لا ينطق عن الهوى ولا يحيد عن الحق أبداً .
قال تعالى :
{ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى{2} وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }
( سوره النجم الآية4:2 )
ويجب علينا الرضا بحكمه لقوله سبحانه
{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } (سورة النساء الآية 65)
وتصديقه " صلى الله عليه وسلم " فى كل ما أخبر به من الأمور الغيبية الثابتة كنعيم القبر وعذابه وسؤال الملكين والحوض المورود ولزوم محبته أكثر من النفس والولد والناس أجمعين وذلك الحب يتجلى فى اتباع سنته والتشبه به والدفاع عنه .
المسلم الحق هو الذى يقتحم لأجل دينه النيران ويستمسك به ولو نشر بالمناشير.
المسلم الحق هو الذى لا يستخفه طيش الشباب ولا يستهويه مطمع من مطامع الدنيا إنما همه الآخرة وبغيته الجنة .
المسلم الحق هو الذى يتحمل البلاء فى سبيل الله ويتلقى السهام فما يزيده ذلك إلا ثقة وتًَجلدا وما يزيده البلاء والاضطهاد فى الدين إلا متانة فى عقيدته وحباً لدينه ومقتا للكفر وأهله .
المسلم الحق هو الذى يغذى روحه بالقرآن ويربى نفسه بالإيمان ويخضع أمام رب العالمين خمس مرات فى اليوم عن طهارةِ بَدَنٍ وخشوع قلب وخضوع جسم وحضورَ عقل فيزداد كل يوم سموَّ روح ونقاَءَ قلب ونظافة خُلُق وتحرراَ من سلطان الماديات ومقاومة للشهوات ومراقبة ًلرب الأرض والسماوات مقتْدََََِّياً برسول الله "صلى الله عليه وسلم" حيث يصفه عبد الله بن رواحة بقوله:
وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشقَّ مكنونَْ من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقناتَْ أن ما قـال واقــعُ يبيتُ يجاُفى جنبه عن فراشه إذا استثـقلت بالمشركين المضاجع ويربى نفسه على الصبر على الأذى والصفح الجميل وقهر النفس من غير جبنٍ وفى غير عجز.
المسلم الحق هو الذى يربى نفسه على أساس العقيدة تربية عميقة ويزكى نفسه بالقرآن ويسمو بها ،ويتعلم من أمر دينه ما يزيده رسوخاً فى الدين وعزوفاًعن الشهوات وتفانياً فى سبيل مرضاة الله وحنيناً إاى الجنة وحرصاً على العلم وفقهاً فى الدين ومحاسبة للنفس.
المسلم الحق هو الذى يطيع الرسول" صلى الله عليه وسلم " فى المنشط والمنكره .
المسلم الحق هو الذى ينفر فى سبيل الله متى ما دعا داعى الجهاد.
المسلم الحق هو الذى يهون عليه التخلى عن الدنيا والتضحية بكل غالٍ ونفيس فى سبيل الله.
المسلم الحق هو الذى يدخل فى السلم كافة بقلبه وجوارحه وروحه كافة ولا يشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ولا يجد فى نفسه حرجاً مما قضى ولا يكون له الخيرة من بعد ما أمر اونهى.
المسلم الحق هو الذى يُحَرّمُ ماَ حَرَّمَ الله ورسوله فلا يتجرأ على منكر ولا يتقاعس عن النهى عن المنكر ولا يجالس مرتكبيه ولا يؤاكلهم أو يشاربهم أو يحادثهم أو يوادهم ،فهو قد عاقد ربََّه’أن لا يجتمع هو والمنكر فى مكان واحد فإما أن يزيل المنكر أو يزول هومن المكان الذى يرتكب فيه المنكر .
المسلم الحق هو الذى لاحظ َّ للشيطان من نفسه بل لاحظَّ لنفسه من نفسه فهو قد باع نفسه ابتغاء مرضات الله والله قد اشترى منه نفسه وماله ومنحه الجنة فهو لا يأتمر إلا بأمر الله ورسوله ولا يحب إلا فى الله ولايبغض إلافى الله وهو يحب الإيمان والاستقامة ويبغض الكفر والفسوق والعصيان ويبغض أهل الكفر والفسوق وأهل الجور والخيانة .
المسلم الحق هو الذى لا تجزعه مصيبة ولا تبطره نعمة ولا يشغله فقر ولا يطغيه غنى ولا تلهيه تجارة ولا تستخفه قوة ولا يريد علوا فى الأرض ولا فساداًوالعاقبة للمتقين .
المسلم الحق هومن يقوم بالقسط شاهداً وشهيداً لله ولو على نفسه أو الوالدين و الأقربين .
المسلم الحق عصمة للبشرية ووقاية للعالم وداعية إلى دين الله.
المسلم الحق يعرف ربه معرفة عميقة واضحة روحية ذات تأثير على الروح والنفس والقلب والجوارح , ذات تأثير فى الأخلاق والاجتماع ذات سيطرة على الحياة وما يتصل بها فهو يؤمن بالله الواحد الذى لا شريك له، له الخلق والأمر بيده ملكوت كل شئ وهويجير ولا يجار عليه إلى آخر ما جاء في القرآن من وصفه ، يثيب بالجنة ويعذب بالنار ، ويبسط الرزق لمن يشاء وَيقْدِرُ ، يعلمُ الخَبءََ في السماوات والأرض ، ويعلم خائنةََ الأََعْيُنِِ وما تخفي الصدور ، إلى آخر ما جاء في القرآن من قدرته وتصرفه وعلمه ، فتنقلب نفسيته بهذا الإيمان الواسع العميق الواضح انقلاباً عجيباً ، فإذا آمن أحد بالله وشهد أن لا إله إلا الله انقلبت حياته ظهراً لبطن ، تغلغل الإيمان في أحشائه وتسرب إلى جميع عروقه ومشاعره ، وجرى منه مجرى الروح والدم واقتلع جراثيم الجاهلية وجذورها ، وغمر العقل والقلب بفيضانه وجعل منه رجلاً غير الرجل ، وظهر منه من روائع الإيمان واليقين والصبر والشجاعة ما لا يمكن تعليله بشيء غير الإيمان الكامل العميق .
الإيمان الحقيقي :مدرسة خلقية وتربية نفسية تملي على صاحبها الفضائل الخلقية من صرامة إرادة وقوة نفس ومحاسبتها والإنصاف منها ، وهو أقوىِِِ وازعٍٍٍ عَرَفَه تاريخُ الأخلاق وعلم النفس عن الزلاتِ الخُلُقِيَّةِ والسقطاتِ البشريةِ ، حتى إذا جمحت السَّوّْرةُ البهيمية في حين من الأحيان وسقط الإنسانُ سقطةًً ، وكان ذلك حيث لا تراقبه عين ولا تتناوله يد القانون تحول هذا الإيمان نفساً لوَّامة عنيفة ووخزاً لاذعاً للضمير وخيالاً مروعاً .
وقد حدثنا المؤرخون الثقات في ذلك بطرائف لم يحدث نظيرها إلا في التاريخ الإسلامي الديني.
فمنها ما روى مسلم بن الحجاج القشيري صاحب الصحيح بسنده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أنََّّ ماعزَ بنَ مالك الأسلمي ، أتى رسول صلى الله عليه وسلم فقال :
(( يا رسول اله إني ظلمت نفسي وزنيت وإني أريد أن تطهرني )) فردَّهُ ، فلما كان من الغد أتاه
فقال : (( يا رسول الله إني قد زنيت )) فرده الثانية ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه
فقال: أتعلمون بعقله بأساً تنكرون منه شيئاً ؟
فقالوا : ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى ، فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضاً فسأل عنه فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله ، فلما كانت الرابعة حفر له حفرة ثم أَمَرَ به فرُجِم .
قال فجاءت الغامدية فقالت : (( يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني )) وأَنَّهُ ردَّها فلما كان الغد
قالت : يا رسول الله لِمَ تردني ؟
لعلك أن تَرُدِّني كما رددتَ ماعزاً ، فو الله إني لَحُْبَلَى
قال : أما لا فاذهبي حتى تلدي .
قال : فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة
قالت : هذا قد ولدته .
قال : فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه .
فلما فطمته أتته بالصبي ، في يده كسرةُ خُبزٍٍٍ .
فقالت : هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكلَ الطعامَ .
فدفعَ الصبيَّ إلى رجلٍٍ من المسلمين . ثم أمر فَحُفِرَ لها إلى صدرها وأَمَرَ الناس فرجموها .
فاستقبلها خالدُ بنُ الوليد بحجر فرمى رأسَها فنضحَ الدمُ على وجهِ خالدٍ فسَّبهاَ ، فسمعَ نبيُّ اللهِ سَّبه إياها فقال : (( مهلاً يا خالد ، فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبةً لو تابَها صاحبُ مُكْسٍ لغُفِرَ له )) ثم أمر بها فصلى عليه ودفنت
الإيمان الحق يكون :حارساً لأمانة الإنسان وعفافه وكرامته ، يملكُ نفسَه الَنزَْع أمام المطامع والشهوات الجارفة وفي الخلوة والوحدة حيث لا يراها أحد . وفي سلطانه ونفوذه حيث لا يخاف أحداً .
وقد وقع في تاريخ الفتح الإسلامي من قضايا العفاف عند المغنم وأداء الأمانات إلى أهلها والإخلاص لله ، ما يعجز التاريخ البشري عن نظائره ، وما ذاك إلا نتيجة رسوخ الإيمان ومراقبة الله واستحضار علمه في كل مكان وزمان .
حدث الطبري قال :
لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحُقٍّ معه فدفعه إلى صاحب الأقباض .
فقال والذين معه : ما رأينا مثل هذا قط .
ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه .
فقالوا : هل أخذت منه شيئاً ؟
فقال : أما والله لولا الله ما أتيتكم به .
فعرفوا أن للرجل شأناً فقالوا : من أنت ؟
فقال : لا والله لا أخبركم لتحمدوني ولا غيركم ليقرظوني .
ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه فأتبعوه رجلاً حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس
هذا الإيمان بالله رفع رأس المؤمنين عالياً وأقام صفحة عنقهم فلن تُحنى لغير الله أبداً . لا لملك جبار ولا لحبر من الأحبار ولا لرئيس ديني ولا دنيوي . وملأ قلوبهم وعيونهم بكبرياء الله تعالى وعظمته ، فهانت وجوه الخلق وزخارف الدنيا ومظاهر العظمة والفخفخة ، فإذا نظروا إلى الملوك وما هم فيه من ترف ونعيم وزينة وزخرف ، فكأنهم ينظرون إلى صور ودمى قد كسيت ملابس الإنسان .
عن أبي موسى قال :انتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلسه وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن يساره والقسيسون جلوس سماطين وقد قال له عمرو وعمارة : إنهم لا يسجدون لك ، فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين والرهبان : اسجدوا للملك . فقال جعفر : لا نسجد إلا لله .
الاستهانة بالزخارف والمظاهر الجوفاء : أرسَلَ سعدُ قبلَ القادسيةِ رِبِعيَّ بن عامرٍٍٍ رسولاً إلى رستم قائدِ الجيوش الفارسية وأميِِرهم ، فدخل عليه وقد زينوا مجلسَه بالنمارقِِ والزرابي والحرير ، وأظهرَ اليواقيتَ واللآلئَ الثمينة العظيمة ، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة ، وقدجلسَ على سريرٍٍٍ من ذهب . ودخل رِبعيُّ بثيابٍ صفيقةٍ وترسٍ وفرس قصيرة ولم يزل راكِبَهَا حتى داسَ بها على طرف البُسَاطِ ، ثم َنَزَل وربطها ببعض تلك الوسائد وأقبل عليه سلاحُهُ ودرعه وبيضتُه على رأسه .
فقالوا له : ضعْ سلاحَك .
فقال : إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعتُُُ .
فقال رستم : ائذنوا له فأقبل يتوكأُ على رُمْحِهِ فوق النمارقِِ فَخَرَّقَ عامتها .
فقالوا له : ما جاء بكم ؟ فقال : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادةِ العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيقِ الدنيا إلى سعتها ، ومن جورِ الأديانِ إلى عدلِ الإسلام .
الشجاعةُ النادرةُ والاستهانةُ بالحياةِ :ولقد بعث الإيمان بالآخرة في قلوب المسلمين شجاعة خارقة للعادة وحنيناً غريباً إلى الجنة واستهانة نادرة بالحياة ، تمثلوا الآخرة وتجلت لهم الجنة بنعمائها كأنهم يرونها رأي عين ، فطاروا إليها.
تقدم أنس بن النضرِ يوم أُحُد وانكشف المسلمون فاستقبله سعد بن معاذ فقال : يا سعد بن معاذ ، الجنة ورب الكعبة ، إني أجد ريحها من دون أحد ،
قال أنس : فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون ، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر :
قوموا إلى الجنة عرضُها السمواتُ والأرضُ ؟
فقال عُمَيُر بنُ الحُمام الأنصاري :
يا رسول الله جنةٍ عرضها السمواتُ والأرضُ .
قال : نعم .
قال : بخ بخ؟
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يحملك على قولك بَخٍ بَخٍ ؟
قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها.
قال : فإنك من أهلها . فأخرج تمراتٍ من قَرَنِهِ (جعبته ) فجعلَ يأكلُ منهنَّ .
ثم قالَ : لئن أنا حييتُ حتى آكُلَ تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل
عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال : سمعت أبي رضي الله عنه وهو بحضرة العدو يقول :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن أبوابَ الجنةِ تحت ظلالِ السيوفِ .
فقام رجلٌ رثُّ الهيئةِ فقال :
يا أبا موسى أأنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا ؟
قال : نعم .
فرجع إلى أصحابه فقال : أقرأ عليكم السلام ، ثم كسَر جِفْنَ سيفه فألقاهُ ثم مشى بسيفه إلى العدو فضربَ حتى قُتِلَ
وكان عمروُ بنُ الجموحِ أعرجَ شديدَ العرج ، وكان له أربعةُ بنين شباب يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا ، فلما توجه إلى أحد أراد أن يتوجه معه فقال له بنوه : إن الله قد جعل لك رخصة فلو قعدت ونحن نكفيك وقد وضع الله عنك الجهاد ، فأتى عمرو بن الجموح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن بَنيَّ هؤلاء يمنعونني أن أخرج معك ، ووالله إني لأرجو أن استشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد ، وقال لبنيه : وما عليكم أن تدعوه لعل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة فخرج مع رسول الله صل الله عليه وسلم فقتل يوم أحد شهيداً
قال شداد بن الهاد : جاء رجل من الأعراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه فقال أهاجر معك ، فأوصى به بعض أصحابه ، فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فقسمه ، وقسم للأعرابي فأعطى أصحابه ما قسم له وكان يرعى ظهورهم (إبلهم ) ، فلما جاء دفعوه إليه
فقال : ما هذا ؟
قالوا : قسم قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأخذه
فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال : ما هذا يا رسول الله ؟
قال: قسم قسمته لك .
قال : ما على هذا اتبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أُرْمَى ها هنا- وأشار إلى حلقه- بسهم ، فأموت فأدخل الجنة .
فقال : إن تصدق الله يصدقك .
ثم نهضوا إلى قتال العدو فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتول فقال : أهوهو ؟
قالوا : نعم ، قال : صدق الله فصدقه .
والناسُ بدون هذا الإيمان في فوضى من الأفعال والأخلاق والسلوك والأخذ والترك والسياسة والاجتماع ، لا يخضعون لسلطان ولا يقرون بنظام ولا ينخرطون في سلك ، يسيرون على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى :
{ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُو أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ{19} الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ{20} وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ{21} وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ{22} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ{23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }(سورة
قال الله تعالى :-
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
( سورة ال عمران 102)
انظر إلى هذا الحديث النبوي بتدبر
( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ، قال: بلى أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعنالله من قلوب عدوكم المهابة وليقذفن في قلوبكم الوهن ، قيل وما الوهن يا رسول الله ؟
قال: حب الدنيا وكراهية الموت )
المسلم الحق من آمن بالله رباً و بالإسلام دينا وبمحمد" صلى الله عليه وسلم" نبيا ورسولاً .
الإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً ولم يكن له شريك فى الملك ولم يكن له ولىُ من الذل ,وخلقَ كْلَّ شئ فقدره تقديراً .
الإيمان بالله القادر الخالق البارئ المصور الجبار القهار العزيز الذي لا يغالب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن المتكبر ذو الجلال والإكرام .
الإيمان بأنه لا معبود بحق سوى الله جل وعلا وأن كل شئ في الكون يجرى بقدرته ومشيئة وتدبيره لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن.
فتباركَ اسم’ ربك وتعالى جده وجل ثناؤه إلهٌ واحدٌ لا شريكَ له ولا شئ مثلُهُ ولا شئ يعجزه ولا إله غيره قديم بلا ابتداء دائم بلا انتهاء لا يفنى ولا يبيد ولايكون إلا ما يريد لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا يشبه الأنام حي لا يموت قيوم لا ينام خالق بلا حاجة، رازقُ بلا مؤنة، مميت بلا مخافة ، باعث بلا مشقة ،مازال بصفاته قديماً قبل خلقه لم يزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته وكما كان بصفاته أزليّاً كذلك لا يزالُ بها أبديا.ً
لا يحتاج إلى شئ ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، خلق الخلق بعلمه وقدرته وقدَّرَ لهم أقداراً وضرب لهم آجالاً وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم وآمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته.
والإيمان بالكتب السماوية التي أنزلها الله وبرسله الذين أرسلهم مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
والشاهد على الكتب والرسل السابقة هو القرآن الكريم والرسول الذي أنزل عليه القرآن الكريم وهو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب "صلى الله عليه وسلم " فقد جعل الله القرآن مهيمنا ً على الكتب السابقة أى شاهداً وحاكما وأمينا عليها, ولقد دخل التحريف والتغيير والتبديل الكتب السابقة وبقى القرآن الكريم محفوظاً بحفظ الله تعالى له.
كما قال جل شأنه:" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "
لذا تجب علينا طاعة الرسول" صلى الله عليه وسلم " والاستمساك بكتاب الله وسنة رسوله "
صلى الله عليه وسلم " وإتباع شريعته لقوله تعالى :-
"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" لأنه "صلى الله عليه وسلم"لا ينطق عن الهوى ولا يحيد عن الحق أبداً .
قال تعالى :
{ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى{2} وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }
( سوره النجم الآية4:2 )
ويجب علينا الرضا بحكمه لقوله سبحانه
{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } (سورة النساء الآية 65)
وتصديقه " صلى الله عليه وسلم " فى كل ما أخبر به من الأمور الغيبية الثابتة كنعيم القبر وعذابه وسؤال الملكين والحوض المورود ولزوم محبته أكثر من النفس والولد والناس أجمعين وذلك الحب يتجلى فى اتباع سنته والتشبه به والدفاع عنه .
المسلم الحق هو الذى يقتحم لأجل دينه النيران ويستمسك به ولو نشر بالمناشير.
المسلم الحق هو الذى لا يستخفه طيش الشباب ولا يستهويه مطمع من مطامع الدنيا إنما همه الآخرة وبغيته الجنة .
المسلم الحق هو الذى يتحمل البلاء فى سبيل الله ويتلقى السهام فما يزيده ذلك إلا ثقة وتًَجلدا وما يزيده البلاء والاضطهاد فى الدين إلا متانة فى عقيدته وحباً لدينه ومقتا للكفر وأهله .
المسلم الحق هو الذى يغذى روحه بالقرآن ويربى نفسه بالإيمان ويخضع أمام رب العالمين خمس مرات فى اليوم عن طهارةِ بَدَنٍ وخشوع قلب وخضوع جسم وحضورَ عقل فيزداد كل يوم سموَّ روح ونقاَءَ قلب ونظافة خُلُق وتحرراَ من سلطان الماديات ومقاومة للشهوات ومراقبة ًلرب الأرض والسماوات مقتْدََََِّياً برسول الله "صلى الله عليه وسلم" حيث يصفه عبد الله بن رواحة بقوله:
وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشقَّ مكنونَْ من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقناتَْ أن ما قـال واقــعُ يبيتُ يجاُفى جنبه عن فراشه إذا استثـقلت بالمشركين المضاجع ويربى نفسه على الصبر على الأذى والصفح الجميل وقهر النفس من غير جبنٍ وفى غير عجز.
المسلم الحق هو الذى يربى نفسه على أساس العقيدة تربية عميقة ويزكى نفسه بالقرآن ويسمو بها ،ويتعلم من أمر دينه ما يزيده رسوخاً فى الدين وعزوفاًعن الشهوات وتفانياً فى سبيل مرضاة الله وحنيناً إاى الجنة وحرصاً على العلم وفقهاً فى الدين ومحاسبة للنفس.
المسلم الحق هو الذى يطيع الرسول" صلى الله عليه وسلم " فى المنشط والمنكره .
المسلم الحق هو الذى ينفر فى سبيل الله متى ما دعا داعى الجهاد.
المسلم الحق هو الذى يهون عليه التخلى عن الدنيا والتضحية بكل غالٍ ونفيس فى سبيل الله.
المسلم الحق هو الذى يدخل فى السلم كافة بقلبه وجوارحه وروحه كافة ولا يشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ولا يجد فى نفسه حرجاً مما قضى ولا يكون له الخيرة من بعد ما أمر اونهى.
المسلم الحق هو الذى يُحَرّمُ ماَ حَرَّمَ الله ورسوله فلا يتجرأ على منكر ولا يتقاعس عن النهى عن المنكر ولا يجالس مرتكبيه ولا يؤاكلهم أو يشاربهم أو يحادثهم أو يوادهم ،فهو قد عاقد ربََّه’أن لا يجتمع هو والمنكر فى مكان واحد فإما أن يزيل المنكر أو يزول هومن المكان الذى يرتكب فيه المنكر .
المسلم الحق هو الذى لاحظ َّ للشيطان من نفسه بل لاحظَّ لنفسه من نفسه فهو قد باع نفسه ابتغاء مرضات الله والله قد اشترى منه نفسه وماله ومنحه الجنة فهو لا يأتمر إلا بأمر الله ورسوله ولا يحب إلا فى الله ولايبغض إلافى الله وهو يحب الإيمان والاستقامة ويبغض الكفر والفسوق والعصيان ويبغض أهل الكفر والفسوق وأهل الجور والخيانة .
المسلم الحق هو الذى لا تجزعه مصيبة ولا تبطره نعمة ولا يشغله فقر ولا يطغيه غنى ولا تلهيه تجارة ولا تستخفه قوة ولا يريد علوا فى الأرض ولا فساداًوالعاقبة للمتقين .
المسلم الحق هومن يقوم بالقسط شاهداً وشهيداً لله ولو على نفسه أو الوالدين و الأقربين .
المسلم الحق عصمة للبشرية ووقاية للعالم وداعية إلى دين الله.
المسلم الحق يعرف ربه معرفة عميقة واضحة روحية ذات تأثير على الروح والنفس والقلب والجوارح , ذات تأثير فى الأخلاق والاجتماع ذات سيطرة على الحياة وما يتصل بها فهو يؤمن بالله الواحد الذى لا شريك له، له الخلق والأمر بيده ملكوت كل شئ وهويجير ولا يجار عليه إلى آخر ما جاء في القرآن من وصفه ، يثيب بالجنة ويعذب بالنار ، ويبسط الرزق لمن يشاء وَيقْدِرُ ، يعلمُ الخَبءََ في السماوات والأرض ، ويعلم خائنةََ الأََعْيُنِِ وما تخفي الصدور ، إلى آخر ما جاء في القرآن من قدرته وتصرفه وعلمه ، فتنقلب نفسيته بهذا الإيمان الواسع العميق الواضح انقلاباً عجيباً ، فإذا آمن أحد بالله وشهد أن لا إله إلا الله انقلبت حياته ظهراً لبطن ، تغلغل الإيمان في أحشائه وتسرب إلى جميع عروقه ومشاعره ، وجرى منه مجرى الروح والدم واقتلع جراثيم الجاهلية وجذورها ، وغمر العقل والقلب بفيضانه وجعل منه رجلاً غير الرجل ، وظهر منه من روائع الإيمان واليقين والصبر والشجاعة ما لا يمكن تعليله بشيء غير الإيمان الكامل العميق .
الإيمان الحقيقي :مدرسة خلقية وتربية نفسية تملي على صاحبها الفضائل الخلقية من صرامة إرادة وقوة نفس ومحاسبتها والإنصاف منها ، وهو أقوىِِِ وازعٍٍٍ عَرَفَه تاريخُ الأخلاق وعلم النفس عن الزلاتِ الخُلُقِيَّةِ والسقطاتِ البشريةِ ، حتى إذا جمحت السَّوّْرةُ البهيمية في حين من الأحيان وسقط الإنسانُ سقطةًً ، وكان ذلك حيث لا تراقبه عين ولا تتناوله يد القانون تحول هذا الإيمان نفساً لوَّامة عنيفة ووخزاً لاذعاً للضمير وخيالاً مروعاً .
وقد حدثنا المؤرخون الثقات في ذلك بطرائف لم يحدث نظيرها إلا في التاريخ الإسلامي الديني.
فمنها ما روى مسلم بن الحجاج القشيري صاحب الصحيح بسنده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أنََّّ ماعزَ بنَ مالك الأسلمي ، أتى رسول صلى الله عليه وسلم فقال :
(( يا رسول اله إني ظلمت نفسي وزنيت وإني أريد أن تطهرني )) فردَّهُ ، فلما كان من الغد أتاه
فقال : (( يا رسول الله إني قد زنيت )) فرده الثانية ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه
فقال: أتعلمون بعقله بأساً تنكرون منه شيئاً ؟
فقالوا : ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى ، فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضاً فسأل عنه فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله ، فلما كانت الرابعة حفر له حفرة ثم أَمَرَ به فرُجِم .
قال فجاءت الغامدية فقالت : (( يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني )) وأَنَّهُ ردَّها فلما كان الغد
قالت : يا رسول الله لِمَ تردني ؟
لعلك أن تَرُدِّني كما رددتَ ماعزاً ، فو الله إني لَحُْبَلَى
قال : أما لا فاذهبي حتى تلدي .
قال : فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة
قالت : هذا قد ولدته .
قال : فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه .
فلما فطمته أتته بالصبي ، في يده كسرةُ خُبزٍٍٍ .
فقالت : هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكلَ الطعامَ .
فدفعَ الصبيَّ إلى رجلٍٍ من المسلمين . ثم أمر فَحُفِرَ لها إلى صدرها وأَمَرَ الناس فرجموها .
فاستقبلها خالدُ بنُ الوليد بحجر فرمى رأسَها فنضحَ الدمُ على وجهِ خالدٍ فسَّبهاَ ، فسمعَ نبيُّ اللهِ سَّبه إياها فقال : (( مهلاً يا خالد ، فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبةً لو تابَها صاحبُ مُكْسٍ لغُفِرَ له )) ثم أمر بها فصلى عليه ودفنت
الإيمان الحق يكون :حارساً لأمانة الإنسان وعفافه وكرامته ، يملكُ نفسَه الَنزَْع أمام المطامع والشهوات الجارفة وفي الخلوة والوحدة حيث لا يراها أحد . وفي سلطانه ونفوذه حيث لا يخاف أحداً .
وقد وقع في تاريخ الفتح الإسلامي من قضايا العفاف عند المغنم وأداء الأمانات إلى أهلها والإخلاص لله ، ما يعجز التاريخ البشري عن نظائره ، وما ذاك إلا نتيجة رسوخ الإيمان ومراقبة الله واستحضار علمه في كل مكان وزمان .
حدث الطبري قال :
لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحُقٍّ معه فدفعه إلى صاحب الأقباض .
فقال والذين معه : ما رأينا مثل هذا قط .
ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه .
فقالوا : هل أخذت منه شيئاً ؟
فقال : أما والله لولا الله ما أتيتكم به .
فعرفوا أن للرجل شأناً فقالوا : من أنت ؟
فقال : لا والله لا أخبركم لتحمدوني ولا غيركم ليقرظوني .
ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه فأتبعوه رجلاً حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس
هذا الإيمان بالله رفع رأس المؤمنين عالياً وأقام صفحة عنقهم فلن تُحنى لغير الله أبداً . لا لملك جبار ولا لحبر من الأحبار ولا لرئيس ديني ولا دنيوي . وملأ قلوبهم وعيونهم بكبرياء الله تعالى وعظمته ، فهانت وجوه الخلق وزخارف الدنيا ومظاهر العظمة والفخفخة ، فإذا نظروا إلى الملوك وما هم فيه من ترف ونعيم وزينة وزخرف ، فكأنهم ينظرون إلى صور ودمى قد كسيت ملابس الإنسان .
عن أبي موسى قال :انتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلسه وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن يساره والقسيسون جلوس سماطين وقد قال له عمرو وعمارة : إنهم لا يسجدون لك ، فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين والرهبان : اسجدوا للملك . فقال جعفر : لا نسجد إلا لله .
الاستهانة بالزخارف والمظاهر الجوفاء : أرسَلَ سعدُ قبلَ القادسيةِ رِبِعيَّ بن عامرٍٍٍ رسولاً إلى رستم قائدِ الجيوش الفارسية وأميِِرهم ، فدخل عليه وقد زينوا مجلسَه بالنمارقِِ والزرابي والحرير ، وأظهرَ اليواقيتَ واللآلئَ الثمينة العظيمة ، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة ، وقدجلسَ على سريرٍٍٍ من ذهب . ودخل رِبعيُّ بثيابٍ صفيقةٍ وترسٍ وفرس قصيرة ولم يزل راكِبَهَا حتى داسَ بها على طرف البُسَاطِ ، ثم َنَزَل وربطها ببعض تلك الوسائد وأقبل عليه سلاحُهُ ودرعه وبيضتُه على رأسه .
فقالوا له : ضعْ سلاحَك .
فقال : إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعتُُُ .
فقال رستم : ائذنوا له فأقبل يتوكأُ على رُمْحِهِ فوق النمارقِِ فَخَرَّقَ عامتها .
فقالوا له : ما جاء بكم ؟ فقال : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادةِ العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيقِ الدنيا إلى سعتها ، ومن جورِ الأديانِ إلى عدلِ الإسلام .
الشجاعةُ النادرةُ والاستهانةُ بالحياةِ :ولقد بعث الإيمان بالآخرة في قلوب المسلمين شجاعة خارقة للعادة وحنيناً غريباً إلى الجنة واستهانة نادرة بالحياة ، تمثلوا الآخرة وتجلت لهم الجنة بنعمائها كأنهم يرونها رأي عين ، فطاروا إليها.
تقدم أنس بن النضرِ يوم أُحُد وانكشف المسلمون فاستقبله سعد بن معاذ فقال : يا سعد بن معاذ ، الجنة ورب الكعبة ، إني أجد ريحها من دون أحد ،
قال أنس : فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون ، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر :
قوموا إلى الجنة عرضُها السمواتُ والأرضُ ؟
فقال عُمَيُر بنُ الحُمام الأنصاري :
يا رسول الله جنةٍ عرضها السمواتُ والأرضُ .
قال : نعم .
قال : بخ بخ؟
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يحملك على قولك بَخٍ بَخٍ ؟
قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها.
قال : فإنك من أهلها . فأخرج تمراتٍ من قَرَنِهِ (جعبته ) فجعلَ يأكلُ منهنَّ .
ثم قالَ : لئن أنا حييتُ حتى آكُلَ تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل
عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال : سمعت أبي رضي الله عنه وهو بحضرة العدو يقول :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن أبوابَ الجنةِ تحت ظلالِ السيوفِ .
فقام رجلٌ رثُّ الهيئةِ فقال :
يا أبا موسى أأنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا ؟
قال : نعم .
فرجع إلى أصحابه فقال : أقرأ عليكم السلام ، ثم كسَر جِفْنَ سيفه فألقاهُ ثم مشى بسيفه إلى العدو فضربَ حتى قُتِلَ
وكان عمروُ بنُ الجموحِ أعرجَ شديدَ العرج ، وكان له أربعةُ بنين شباب يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا ، فلما توجه إلى أحد أراد أن يتوجه معه فقال له بنوه : إن الله قد جعل لك رخصة فلو قعدت ونحن نكفيك وقد وضع الله عنك الجهاد ، فأتى عمرو بن الجموح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن بَنيَّ هؤلاء يمنعونني أن أخرج معك ، ووالله إني لأرجو أن استشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد ، وقال لبنيه : وما عليكم أن تدعوه لعل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة فخرج مع رسول الله صل الله عليه وسلم فقتل يوم أحد شهيداً
قال شداد بن الهاد : جاء رجل من الأعراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه فقال أهاجر معك ، فأوصى به بعض أصحابه ، فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فقسمه ، وقسم للأعرابي فأعطى أصحابه ما قسم له وكان يرعى ظهورهم (إبلهم ) ، فلما جاء دفعوه إليه
فقال : ما هذا ؟
قالوا : قسم قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأخذه
فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال : ما هذا يا رسول الله ؟
قال: قسم قسمته لك .
قال : ما على هذا اتبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أُرْمَى ها هنا- وأشار إلى حلقه- بسهم ، فأموت فأدخل الجنة .
فقال : إن تصدق الله يصدقك .
ثم نهضوا إلى قتال العدو فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتول فقال : أهوهو ؟
قالوا : نعم ، قال : صدق الله فصدقه .
والناسُ بدون هذا الإيمان في فوضى من الأفعال والأخلاق والسلوك والأخذ والترك والسياسة والاجتماع ، لا يخضعون لسلطان ولا يقرون بنظام ولا ينخرطون في سلك ، يسيرون على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى :
{ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُو أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ{19} الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ{20} وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ{21} وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ{22} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ{23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }(سورة
الرعد الآية 19:24)
الخلاصة
إذا عرفتَ معنى الإسلام معرفة صحيحة ، وعرفت أنه خروج من حياة إلى حياة ، ومن مملكة إلى مملكة ، ومن حكم إلى حكم ، أو من فوضوية إلى سلطة ، أو من حرب إلى استسلام وخضوع ، ومن الأنانية إلى العبودية ، وإذا دخلت في الإسلام فلا افتيات في الرأي ولا نزاع مع القانون الإلهي ولا خيرة بعد الأمر ولا مشاقة للرسول ولا تحاكم إلى غير الله ولا إصدار عن الرأي ، ولا تمسك بتقاليد وعادات ولا ائتمار بالنفس ، فخرجت من الحياة الجاهلية بخصائصها وعاداتها وتقاليدها إلى الإسلام بخصائصه وعاداته وأوضاعه.
الخلاصة
إذا عرفتَ معنى الإسلام معرفة صحيحة ، وعرفت أنه خروج من حياة إلى حياة ، ومن مملكة إلى مملكة ، ومن حكم إلى حكم ، أو من فوضوية إلى سلطة ، أو من حرب إلى استسلام وخضوع ، ومن الأنانية إلى العبودية ، وإذا دخلت في الإسلام فلا افتيات في الرأي ولا نزاع مع القانون الإلهي ولا خيرة بعد الأمر ولا مشاقة للرسول ولا تحاكم إلى غير الله ولا إصدار عن الرأي ، ولا تمسك بتقاليد وعادات ولا ائتمار بالنفس ، فخرجت من الحياة الجاهلية بخصائصها وعاداتها وتقاليدها إلى الإسلام بخصائصه وعاداته وأوضاعه.
0 التعليقات to كيف تكون مسلما حقا ؟ :
إرسال تعليق