هل يجوز للفتاة أن تكشف عن ساقيها وذراعيها أثناء وجودها على شاطئ البحر؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالتزام المرأة بشرع الله –عز وجل- لا يرتبط بهذه المناسبة أو تلك، فالمسلمة مأمورة بشرع ربها أينما حلت، أو ارتحلت، ولذلك فالواجب على المرأة أن تلتزم بحجابها سواء كانت على شاطئ البحر أو كانت في الجامعة أو في المسجد، فمتى وجدت في مكان يتواجد فيه غير محارمها فيجب عليها أن تستر ما أمر الله بستره فلا يظهر منها إلا الوجه والكفان –عند جمهور الفقهاء- وما عدا ذلك فيحرم كشفه.
يقول فضيلة الدكتور نصر فريد واصل -مفتي مصر سابقا-:
لا يجوز للمرأة أن تكشف زينتها التي أمرها الله بسترها أمام غير محارمها – وهم من يحرم عليها الزواج منهم-.
والحجاب في شريعة الإسلام فريضة دينية واجبة على المرأة المسلمة إذا بلغت المحيض، وذلك لقوله تعالى " وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ" –آية 31 النور-، وقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ" –آية 59 الأحزاب-. ، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه لأسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنهما- "يا أسماء إذا بلغت المرأة المحيض فلا يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى الوجه والكفين".
وقد أجمع جمهور الفقهاء على أن الزينة التي يجوز للمرأة إظهارها لغير محارمها التي أشارت إليها الآية الكريمة هي التي بينها النبي – صلى الله عليه وسلم- في حديثه لأسماء – رضي الله عنه- هي الوجه والكفان.
ولا فرق في ذلك بين مكان ومكان، فالمصايف وغيرها سواء، وعلى كل مكلف مراعاة الواجبات والتكاليف الشرعية التي كلف بها والالتزام بها وعدم الخروج عليها، وهذا لا يحرمه بحال من التمتع بكل زينة في الحياة الدنيا التي أحلها الله لعباده بما في ذلك البحار والأنهار لقوله تعالى " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ" –آية 32 الأنعام-.
ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر -رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا-:
التمتُّع بالحلال الطيب من نِعَم الله جائز، ومنه مشاهد الطبيعة والنسيم العَليل والحدائق والزُّهور قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعَبَادِهِ وَالطَّبِّيَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) (سورة الأعراف:32)، وقال: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَواتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) (سورة الأعراف: 135)، وكل ذلك في نطاق قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ) (سورة المائدة:87)، وقوله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ) (سورة الأعراف : 31).
فالتَّمتُّع بِالطَّيِّباتِ يَكُون في اعْتِدَالِ وَبِقَدَر، ولا يَتَعدَّى حُدُودَ المَشْروع. وشواطئ البحار يَقْصدها الكثيرون في الصيف لطِيب الهواء والاستحمام بالماء وهدوء الأعصاب ولغير ذلك من الأغراض التي لها علاقة بالحكم؛ لأن الأعمال بالنيات. ولو التزمَ الإنْسان، وخاصَّة النساء، بالحِشْمة المطلوبة والأدب في السلوك عامة ما كان هناك مانع من ارتيادها.
والحفاظ على الآداب من الناحية تقع مهمَّتُه الأولى على أولياء الأمور، من الأزواج والآباء، إلى جانب الجهات المسئولة عن الأمن والآداب، فلا بد من تعاون الجميع شَعبًا وحكومة على ذلك. مع العلم بأن "التصْييف" ليس أمرًا ضروريًّا حتميًّا حتى يُسْمح فيه ببعض التجاوزات، على قاعدة الضرورات تُبيح المَحْظورات، وإنَّما هو أمْر تَرْفِيهِيٌّ كَمَالِي، لا بدَّ فيه مِن مُراعاة كل الاحتياطات حتى لا تكون نتيجتُه إفساد الأخلاق والإسراف والتبذير، وبالتالي غضب الله سبحانه قال تعالى: ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (سورة الشورى : 30).
والله أعلم
ماهى أوصاف اللباس الشرعي للمرأة؟
الحجاب الشرعي الذي يخرج المرأة من الإثم هو ما يجمع الأوصاف التالية :-
1- أن يكون ساترا لا يظهر إلا الوجه والكفين .
2- أن يكون واسعا فضفاضا لا يبرز ، ولا يحدد أجزاء الجسم .
3- أن يكون سميكا ، لا يصف ما تحته ، ولا يشف.
4- ألا يكون من الملابس الخاصة بالرجال .
5- ألا يكون زينة في نفسه حتى لا يبطل المقصود به؛ فإن الحجاب شرع لوأد النظرة المشبوبة، فإن أظهرت المرأة زينتها سواء أكانت الزينة في اختيار لون للحجاب يلفت أنظار الرجال، ويسترعي فضولهم، أو في إظهار زينة الحلي، أو في اتخاذ عطور لها رائحة فإن ذلك يجعل المرأة متبرجة حتى لو كانت لا تظهر سوى الوجه والكفين.
2- أن يكون واسعا فضفاضا لا يبرز ، ولا يحدد أجزاء الجسم .
3- أن يكون سميكا ، لا يصف ما تحته ، ولا يشف.
4- ألا يكون من الملابس الخاصة بالرجال .
5- ألا يكون زينة في نفسه حتى لا يبطل المقصود به؛ فإن الحجاب شرع لوأد النظرة المشبوبة، فإن أظهرت المرأة زينتها سواء أكانت الزينة في اختيار لون للحجاب يلفت أنظار الرجال، ويسترعي فضولهم، أو في إظهار زينة الحلي، أو في اتخاذ عطور لها رائحة فإن ذلك يجعل المرأة متبرجة حتى لو كانت لا تظهر سوى الوجه والكفين.
ولم يشترط الإسلام لونا معينا لحجاب المرأة، ولم يمنعها من لبس لون معين ، فلها أن تلبس أي لون شاءت طالما كان اللون بعيدا عن الفتنة والإثارة وجذب الأنظار.
يقول الدكتور حسام الدين عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين:-
من شروط الحجاب أن لا يكون زينة في نفسه؛ لقوله تعالى { ولا يبدين زينتهن } [ النور : 31 ]، فإنه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجال إليها، ويشهد لذلك قوله تعالى في [ الأحزاب : 33 ] : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاثة لا تسأل عنهم - يعني لأنهم من الهالكين - : رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصياً، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها، قد كفاها مؤونة الدنيا، فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم )) رواه الحاكم وأحمد وسنده صحيح وقال الحاكم : على شرطهما ولا أعرف له علة وأقره الذهبي .
(( والتبرج : أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجل)).
والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة، فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة، وهذا كما ترى بيِّنٌ لا يخفى.
ولذلك قال الإمام الذهبي في (( كتاب الكبائر )) ( ص131 ) :
(( ومن الأفعال التي تُلْعَن عليها المرأة، إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ تحت النقاب، وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت، ولبسها الصباغات والأُزر الحريرية والأقبية القصار، مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها، وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه، ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة، ولهذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء، قال عنهن النبي صلى الله عليه وسلم : اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء )) .
قلت: وهو حديث صحيح، أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عمران بن حصين وغيره.
قلت: ولقد بالغ الإسلام في التحذير من التبرج إلى درجة أنه قرنه بالشرك والزنى والسرقة وغيرها من المحرمات، وذلك حين بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء على أن لايفعلن ذلك، فقال عبد الله بن عمرو t:(( جاءت أميمة بنت رُقَيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام، فقال : أُبايعكِ على أن لا تشركي بالله شيئاً، ولا تسرقي ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولاتنوحي، ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى )) رواه أحمد بسندٍ حسن .
قال العلامة الألوسي المفسر في روح المعاني – أحد كتب التفسير-:
( ثم اعلم أن عندي مما يلحق بالزينة المنهي عنها إبداؤها ما يلبسه أكثر مترفات النساء في زماننا فوق ثيابهن، ويستترن به إذا خرجن من بيوتهن، وهو غطاء منسوج من حرير ذي عدة ألوان، وفيه من النقوش الذهبية والفضية ما يبهر العيون، وأرى أن تمكين أزواجهن ونحوهم لهن من الخروج بذلك، ومشيهن به بين الأجانب، من قلة الغيرة، وقد عمت البلوى بذلك .
ومثله ما عمت البلوى به أيضاً من عدم احتجاب أكثر النساء من إخوان بعولتهن، وعدم مبالاة بعولتهن بذلك،، وكل ذلك مما لم يأذن به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وأمثال ذلك كثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم )) .
واعلم أنه ليس من الزينة في شيء أن يكون ثوب المرأة الذي تلتحف به ملوناً بلون غير البياض أو السواد، كما يتوهم بعض النساء الملتزمات، وذلك لأمرين :
الأول : قوله صلى الله عليه وسلم :(( طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه ... )) رواه أبو داود والنسائي وهو حديث صحيح.
والآخر : جريان العمل من نساء الصحابة على ذلك، وأسوق هنا بعض الآثار الثابتة في ذلك مما رواه الحافظ ابن أبي شيبة في (( المصنف )) :
1ـ عن ابراهيم ـ وهو النخعي ـ :
أنه كان بدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فَيرا هُنَّ في اللحف الحمر .
2ـ عن ابن أبي مليكة قال :
رأيت على أم سلمة درعاً وملحفة مصبغتين بالعصفر .
3ـ عن القاسم ـ وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق ـ أن عائشة كانت تلبس الثياب المُعَصْفرة، وهي مُحْرِمة .
وفي رواية عن القاسم :أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر، وهي مُحْرِمَة .
4ـ عن هشام عن فاطمة بنت المنذرأن أسماء كانت تلبس المعصفر، وهي مُحْرِمة .
5ـ عن سعيد بن جبير أنه رأى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تطوف بالبيت وعليها ثياب معصفرة . انتهى.
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي مبينا ما يجب على المرأة في وجود الرجال الأجانب:-
أن تلتزم الوقار والاستقامة في مشيتها وفي حديثها وتتجنب الإثارة في سائر حركات جسمها ووجهها؛ فإن التكسر والميوعة من شأن الفاجرات لا من خلق المسلمات. قال تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) سورة الأحزاب:32.
وألا تتعمد جذب انتباه الرجال إلى ما خفي من زينتها بالعطور أو الرنين أو نحو ذلك. قال تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن).
فقد كانت المرأة في الجاهلية حين تمر بالناس تضرب برجلها، ليسمع قعقعة خلخالها فنهى القرآن عن ذلك، لما فيه من إثارة لخيال الرجال ذوي النزعات الشهوانية، ولدلالته على نية سيئة لدى المرأةش في لفت أنظار الرجال إلى زينتها.
ومثل هذا في الحكم ما تستعمله من ألوان الطيب والعطور ذات الروائح الفائحة، لتستثير الغرائز، وتجذب إليها انتباه الرجال، وفي الحديث: "المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا، يعني: زانية".
والله أعلم .
النقاب بين القول ببدعيته والقول بوجوبه
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:-
اتفق العلماء على فرضية الخمار وهو كل ما يستر جسد المرأة عدا الوجه والكفين، ولا يصف ولا يشف عما تحته، ولا يكون فيه تشبها بالرجال، واختلفوا حول النقاب وهو ما يستر كل المرأة سوى عينها أو عينيها، فقال بعضهم هو واجب أو فرض، وقال بعضهم هو مباح أو مندوب في بعض الحالات، ولكن لم يقل أحد من أهل العلم الراسخين أنه بدعة أو محرم.
والأولى ترك الناس وما يريدون، فمن اكتفت بالخمار فلا إثم عليها، ومن أرادت النقاب فلا اعتراض عليها ، فالنقاب موجود بصرف النظر عن كونه فرضا أو مباحا .
فمما لا يُمارِي فيه أحد يَعْرِفُ مصادر العلم وأقوال العلماء: أن القضية خلافية، أعني قضية جواز كشف الوجه أو وجوب تغطيته ـ ومعه الكفان أيضًا.
وقد اختلف فيها العلماء ـ من فقهاء ومفسرين ومُحدِّثين ـ قديمًا، ولا يزالون مختلفين إلى اليوم.
وسبب الاختلاف يرجع إلى موقفهم من النصوص الواردة في الموضوع ومدى فهمهم لها، حيث لم يَرِدْ فيه نَصٌّ قطعيٌّ الثبوت والدِلالة، ولو وُجِدَ لحُسِمَ الأمر.
فهم مختلفون في تفسير قوله ـ تعالى ـ: (ولا يُبدِينَ زِينتهُنَّ إلا ما ظَهَرَ منها) (النور: 31).
فرَوَوا عن ابن مسعود أنه قال: (إلا ما ظهر منها): الثياب والجلباب، أي الثياب الخارجية التي لا يُمكِن إخفاؤها.
ورووا عن ابن عباس أنه فَسَّر: (ما ظهر منها) بالكُحل والخاتَم.
ورُوي مثلُه عن أنس بن مالك.
وقريب منه عن عائشة.
وأحيانًا يُضيف ابن عباس إلى الكُحل والخاتم: خِضابُ الكَفِّ، أو المُسْكَة ـ أي السِّوار ـ أو القُرط والقِلادة.
وقد يُعبر عن الزينة بموضعها، فيقول ابن عباس: رُقعة الوجه وباطن الكف، وجاء ذلك عن سعيد بن جبير وعَطاء وغيرهما.
وبعضهم جعل بعض الذراع مما ظهر منها.
وفَسَّر ابن عطية ما ظهر منها: أنه ما انكَشفَ لضرورة، كأن كَشَفَتْه الريح أو نحو ذلك (انظر: تفسير الآية عند ابن جرير وابن كثير والقرطبي، والدر المنثور: 5/41، 42، وغيرها.).
وهم مختلفون في تفسير قوله ـ تعالى ـ: (يا أيها النبي قُل لأزواجِك وبناتِك ونِساءِ المؤمنينَ يُدْنينَ عليهنَّ مِن جَلابيبهنَّ، ذلك أَدْنَى أن يُعرفْنَ فلا يُؤذَينَ، وكان اللهُ غفورًا رحيمًا) (الأحزاب: 59).
ما المراد بإدناء الجلابيب في الآية الكريمة؟
فرووا عن ابن عباس نقيضَ ما رُوي عنه في تفسير الآية الأولى!!
ورووا عن بعض التابعين ـ عبيدة السلماني ـ أنه فسر الإدناء تفسيرًا عمليًّا بان غَطَّى وجهَه ورأسه، وأبرز عينه اليسرى!! ومثله عن محمد بن كعب القرظي.
وخالفهما عِكرمة مولى ابن عباس: فقال: تُغطِّي ثغرة نحرها بجلبابها، تُدنيه عليها.
وقال سعيد بن جبير: لا يَحِلُّ لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شَدَّتْ به رأسها ونَحْرَها (انظر:الدر المنثور: 5/221، 222، والمصادر السابقة في تفسير الآية.).
وأنا ممن يُرجِّحون أن الوجه والكفين ليسا بعورة، ولا يَجب على المسلمة تغطيتُهما، وأرى أن أدلة هذا الرأي أقوى من الرأي الآخر.
ومعي في هذا الرأي كثير من علماء هذا العصر، مثل الشيخ ناصر الدين الألباني في كتابه (حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة)، وجمهور علماء الأزهر في مصر، وعلماء الزيتونة في تونس، والقرويين في المغرب، وغير قليل من علماء باكستان والهند وتركيا وغيرها.
ولكن ادِّعاء إجماع علماء العصر على هذا ليس صحيحًا، فمن العلماء في مصر من يعارض هذا القول.
وعلماء السعودية وعدد من بلاد الخليج يُعارضون هذا الرأي، وعلى رأسهم العالم الكبير الشيخ عبد العزيز بن باز.
وكذلك كثير من علماء باكستان والهند، يخالفونه، ويرون أن على المرأة أن تُغطي وجهها.
ومن أشهر الذين قالوا بذلك من كبار علماء باكستان ودُعاتِها: المجدد الإسلامي المعروف الأستاذ أبو الأعلى المودودي في كتابه الشهير: (الحجاب).
ومن المعاصرين الأحياء المنادين بوجوب تغطية الوجه الكاتب الإسلامي السوري المعروف الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الذي أصدر في ذلك رسالة (إلى كل فتاة تؤمن بالله).
وهناك رسائل وفتاوى تظهر بين الحين والحين، تُنَدِّد بكشف الوجه، وتُنادِي الفتيات باسم الدين والإيمان، أن يَلتزِمنَ النقابَ، ولا يَخضَعنَ للعلماء (العصريين) الذين يُريدون أن يُطَوِّعُوا الدين للعصر، ولعلهم يَجعلونَني منهم!!.
فإذا وُجد من بنات المسلمين من تَقتنِعُ بهذا الرأي، وترى أن كشف الوجه حرام، وأن تغطيته فريضة، فكيف نَفرِضُ عليها الرأي الآخر، الذي تراه هي خطأً، ومخالفًا للنص؟
إنما نُنكِر عليها حقًّا إذا رأتْ أن تَفرِضَ هي رأيها على الآخرين أو الأخريات، وأن تَحكُمَ بالإثم أو الفِسْقِِ على كل من عمل بالرأي الآخر، وتَعتبِر هذا منكرًا يَجب محاربتُه، مع اتفاق المُحقِّقين من العلماء على أن لا إنكار في المسائل الاجتهادية الخلافية.
ولو أنكرنا عليها نحن العمل بالرأي الذي يُخالف رأينا ـ وهو رأي مُعتبَر داخل نطاق الفقه الإسلامي الرحب ـ لوقعنا نحن في المحظور، الذي نُقاوِمه وندعو إلى التحرر منه، وهو إلغاء الرأي الآخر، وعدمُ إعطائه حَقَّ الحياة، لمُجرد أنه يُخالفنا أو نُخالفه.
بل لو فُرض أن هذه المسلمة لا تَرى وجوب التغطية للوجه، وإنما تراه أورع وأتقى، خروجًا من الخلاف، وعملاً بالأحوط فقط، فمن ذا الذي يَمنعها من أن تأخذ بالأحوط فقط، فمن ذا الذي يمنعها من أن تأخذ بالأحوط لنفسها ودينها؟ وكيف يُسَوَّغ أن تُلامَ على ذلك ما دام هذا لا يؤذي أحدًا، ولا يَضُرُّ بمصلحة عامة ولا خاصة؟
فلم يقل أحد من علماء المسلمين في القديم أو الحديث بتحريم لبس النقاب على المرأة بصفة عامة، إلا ما جاء في حالة الإحرام فحسْب.
إنما اختلفوا فيه بين القول بالوجوب، والقول بالاستحباب، والقول بالجواز.
أما التحريم، فلا يُتصوَّرُ أن يقول به فقيه، بل ولا الكراهية، وقد عَجِبتُ كُلَّ العجب مما نشره أحد الكتاب من كلمات لبعض الأزهريين الذين قالوا: إن القول بتغطية الوجه تحريم لما أَحَلَّ الله، وهو قولُ مَن ليس له في الكتاب والسنة أو الفقه وأصوله قَدَمٌ راسخة!
ولو كان الأمر مجرد مباح ـ كما هو الرأي الذي أختاره ولم يكن واجبًا ولا مُستَحَبًّا ـ لكان من حق المسلمة أن تُمارِسه، ولم يَجُزْ لأحد أن يَمنعها منه؛ لأنه خالصُ حقها الشخصي، وليس في ممارسته إخلال بواجب، ولا إضرار بأحد.
والدساتير الوضعية نفسها تُقرِّر هذه الحقوق الشخصية، وتحميها، كما تحميها مواثيق حقوق الإنسان.
وكيف نُنكِر على المسلمة المتديِّنَة أن تَلبَس النقاب، مع أن من زميلاتها من طالبات الجامعة، من تلبس الثياب القصيرة ـ والمبالغة في القصر ـ والشَّفَّافَةَ والمُجسِّمَة للمَفاتِن، وتضع من (ألوان المكياج) ما تَضع، ولا يُنكِر عليهن أحد، باعتبار أن هذا من الحرية الشخصية! مع أن هذا اللباس الذي يَشِفُّ أو يَصِفُ، أو لا يُغطِّي ما عدا الوجه واليدين والقدمين من الجسم، مُحَرَّم شرعًا بإجماع المسلمين؟!
ولو مَنع هذا مانع من المسئولين في الجامعة، لأيَّده الشرع والدستور الذي نص على أن دين الدولة (الإسلام)، وأن أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
ومع هذا لم يمنعه أحد.
فيا عجبًا كيف تُترَك الحريةُ للكاسيات العاريات، المميلات المائلات، ولا يَتعرَّض لهن أحد ببنتِ شَفَةٍ، كما يقولون، ثم يُصَبُّ جَامُّ السُّخْطِ كله، واللوم كله، على ربَّاتِ النقاب، اللائي يَعتقدن أن ذلك من الدين الذي لا يَجوز التفريط أو التساهل فيه؟
فلِلَّهِ الأمر من قبلُ ومن بعدُ، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
ويقول الدكتور عبد الفتاح عاشور، الأستاذ بجامعة الأزهر:
بالنظر في مسيرة التشريع الإسلامي وما نزل من القرآن الكريم وما جاء في السنة المطهرة في هذا الموضوع يتبين الآتي:
1- كان السفور من شأن الجاهلية واستمر هذا إلى أن نزلت آية الأحزاب في العام الخامس الهجري وفيها قول الله تعالى: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما "، وإدناء الجلابيب معناه أن تغطي المرأة وجهها وصدرها ولا تترك إلا مكان النظر بعينيها، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة، وبعد غزوة " بني المصطلق " وفي العام السادس نزلت آية النور وفيها قول الله تعالى: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها"، يقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: ما ظهر منها الوجه والكفان والخاتم.
2- وما كان لحبر الأمة أن يتناقض مع نفسه، فقال هذا أولا في الآية الأولى فهذا هو ما نطقت به كلماتها، وقال ما قال في الآية الثانية فهذا تدرج في التشريع، ويبقى الأول وهو النقاب لمن رغبت وسمحت لها ظروفها بذلك ، وهو شيء طيب تحمد عليه، ويكون الثاني وهو ستر الجسد كله عدا الوجه والكفين هو الذي استقر عليه التشريع الإسلامي وهو الواجب على كل مسلمة.
3- ليس من خُلق الإسلام أن يعيب أحد الفريقين على الآخر، فمن أخذت بالعزيمة وارتدت النقاب فهذا أمر تستحق عليه الثناء ولها الأجر، ومن أخذت الرخصة فكشفت عن وجهها وكفيها فلا حرج عليها،ولكن إذا أبدت المرأة عن وجهها وكفيها فالواجب ألا تتزين بزينة تلفت إليها الأنظار، بما جرت عليه عادة بعض النساء المحجبات من استعمال المساحيق والأصباغ فهذا لم يرد في دين الله، فاختاري لنفسك ما تحبين ولا تثريب عليك في اختيار الخمار أو النقاب والله يوفقك وإيانا لما يحبه ويرضاه .
والله أعلم.
استعمال أدوات العمل في المصلحة الشخصية
بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد: -
الموظف أمين في مكان عمله على ما تحت يده من أدوات،ويجب أن يكون استخدامه لهذه الأدوات في نطاق العمل وما يخدمه.
أما الانتفاع الشخصي بهذه الأدوات فلا يجوز، وعليه فاستخدام هاتف العمل في غير أغراض العمل لا يجوز، والانتفاع الشخصي بسيارة العمل لا يجوز، واستخدام آلات الطباعة والتصوير للانتفاع الشخصي لا يجوز.
أما الأشياء البسيطة التي تعارف عليها الناس، وأصبحوا ينتفعون بها أمام المدراء والمسئولين في وضح النهار فقد يغض الطرف عنها إذا كانت قليلة ليست ذات بال.
يقول الدكتور حسام الدين عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-
إن من الموظفين العاملين في المؤسسات العامة كالوزارات والجامعات والشركات العامة يسيئون استخدام الأموال العامة وما هو في حكمها كالتلفونات والسيارات والمعدات وغير ذلك.
وينبغي التوضيح أولاً أن أموال هذه الجهات وما في حكمها من أدوات مختلفة تعتبر من المال العام المملوك لعامة المسلمين في ذلك البلد والمال العام له حرمة في الشرع كالمال الخاص بل أشد لذا يحرم التساهل في استخدام المال العام وكأنه لا مالك له.
وقد دلت الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على حرمة الخوض في الأموال العامة ، قال الله تعالى:( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) سورة البقرة 188 ، وقال أيضاً :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) سورة النساء الآية 29.
وجاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ) رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية أخرى:( وإن هذا المال خضر حلو ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة ) رواه مسلم.
وعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :( إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ) رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر:[ قوله ( يتخوضون في مال الله بغير حق ) أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل ] .
ومن العلماء من جعل المال العام كمال اليتيم بالنسبة للولي لا يتصرف فيه إلا بما يحقق مصلحة اليتيم ونقل مثل ذلك عن عمر رضي الله عنه ومن القصص المشهورة عن عمر بن عبد العزيز أنه كان عنده مصباحان أحدهما للدولة يستعمله عند قضاء مصالحها والآخر مصباح شخصي له يشعله إذا انتهى من مصالح الدولة.
إذا تقرر هذا فأعود إلى السؤال فأقول إن السيارة التي أعطتك إياها المؤسسة لتستخدمها في العمل يجب أن يكون استخدامها في نطاق العمل وما يخدمه وبالتالي لا يجوز استخدامها في الأمور الخاصة كالذهاب بها في الرحلات أو العمل عليها كسيارة أجرة ونحو ذلك فهذا كسب لا شك حرام.
ومثل ذلك استخدام تلفون المؤسسة فينبغي أن يكون في الأصل في شؤون العمل وأما استخدام التلفون في الأمور الشخصية كمن يتصل بمن يريد من أهله وأقاربه خارج البلاد مستعملاً تلفون المؤسسة فلا يجوز ذلك. وقد يغض النظر عن بعض الاتصالات الداخلية التي يجريها الموظف لبعض شؤونه الخاصة، وكذا استخدام بعض الأدوات اليسيرة في شؤونه الخاصة مما تعارف الناس عليه كاستخدام ورقة أو تصويرها ونحو ذلك.
ومن المعروف أن العرف له اعتبار فلذا الحكم عليه قد يدار، ولكن لا يجوز التوسع في هذا الباب لأن الأصل حرمة المال العام . وأظن أنه يوجد في بعض المؤسسات العامة أنظمة وتعليمات لتنظيم استخدام الأموال العامة وما في حكمها كالسيارات فإن وجدت مثل هذه الأنظمة والتعليمات فيجب الالتزام بها.
وينبغي التذكير أن الموظف في الأصل هو بمثابة الأجير، والأجير لا بد أن يكون أميناً، ويدخل في الأمانة حسن أداء العمل وتشمل أيضاً الأمانة في استخدام المال العام وتشمل الأمانة في استخدام أدوات العمل وغير ذلك.قال الله تعالى:( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) .
ويقول تعالى :( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) سورة النساء الآية 58.
ويقول تعالى :( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) سورة المؤمنون الآية 8.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي ثم قال :( يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ) رواه مسلم.
وخلاصة الأمر أن الأصل حرمة الأموال العامة وما في حكمها من الأدوات كالسيارات فلا يجوز استعمالها في الشؤون الشخصية إلا بالمقدار الذي يحقق مصلحة جهة العمل.
والله أعلم .
ما حكم من لعن أباه ورفع صوته عليه بكلام غير محترم ؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فيقول الدكتور : السيد صقر ، المدرس بجامعة الأزهر:
لا شك أن عقاب العقوق شديد ، حيث إنه كبيرة من أكبر الكبائر ، فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه . قيل : يا رسول الله ، وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال : يسب الرجل أبا الرجل ، فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه " ، وهذا في التسبب في السب ، فما بال المباشرة؟!
وقد قال الله تعالى : " فلا تقل لهما : أف ولا تنهرهما ، وقل لهما قولا كريما ، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة..) الإسراء :23، 24.
وقد أَخرج الحاكم والأصبهانيّ وقال الحاكم : صحيحُ الإسناد عن أبي بكر رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كُلُّ الذُّنُوبِ يُؤَخِّرُ اللَّهُ مِنْهَا مَا شَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ اللَّهَ يُعَجِّلُهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَمَاتِ " .
ولتفصيل القول في جزاء العقوق يمكن مطالعة هذه الفتوى :
عقوق الوالدين
وأما الذي صدر منه عقوق في حالة غضب : فالغضب ليس عذرا ولا مبررا ما دام الإنسان يعي ويعقل ويعلم وما يصدر منه من أقوال وتصرفات، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغضب فيما رواه البخاري عن أبي هريرة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني ، قال : ( لا تغضب ) . فردد مرارا ـ أي طلب الوصية مرارا ـ، قال : ( لا تغضب ) .
فعلى من صدر منه شيء من العقوق أن يتوب إلى الله تعالى من هذا الذنب الكبير ، فيندم على ما صدر منه، ويستغفر الله تعالى، ويعزم على عدم العودة إلى مثله ، وعليه أن يعوض هذا العقوق بالبر والإحسان ويسترضي أباه حتى يرضى ، وعليه أن لا ييأس ولا يمل من الإحسان حتى يرضي أباه، وقد قال الله تعالى : ( إن الحسنات يذهبن السيئات) هود:114، وقال سبحانه : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) فصلت: 34 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حجر والمنذري وغيرهما بسند حسن عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ".
نسأل الله تعالى له الهداية وأن يتوب عليه من العقوق وأن يغفر له ويرضي عنه أباه، إنه سميع قريب .
والله أعلم .
مسابقات ملكات الجمال فهل هل هذا يجوز من وجهة نظر الشرع ؟؟
وأين دور العلماء فيما يجري ؟؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فمسابقات ملكة الجمال ـ كما يزعمون ـ حرام ، ويأثم في هذا الفعل الشنيع من تتقدم لهذه المسابقة، ومن يشارك في التحكيم والتمويل وكل من له صلة بهذا الشأن العابث.
ولقد كرم الله الإنسان عامة والمرأة خاصة فأهانت نفسها وأهانها الآخرون بعرض مفاتنها ، وإظهار عوراتها في صورة مهينة تعود بها لعصر بيع الرقيق .
وفي الوقت الذي تعاني فيه الأمة من ابتلاءات ومحن تشيب له الرؤوس وتقشعر منها الأبدان تطل علينا هذه الأخلاق الجاهلية التي نقلد فيها غيرنا تقليدا أعمى لا صلة له بالإسلام ولا العرف ولا الذوق السليم.
وبهذا خرجت فتاوى الأفراد والمؤسسات الإسلامية في مصر وغيرها ولكن (لا يطاع لقصير أمر)
لقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي
يقول الشيخ عبد الخالق الشريف أحد دعاة مصر :
تقوم شريعة الإسلام على ستر العورات، وصيانة الأعراض، ولما كانت مسابقات الجمال تقوم على كشف المرأة لجسدها لينظر إليها الرجال، ويحكموا على جمالها أو عدمه، فهذا من الأمور المحرمة، ولا يحل للأفراد ولا للدول الإسلامية أن تقوم بهذا الأمر.
ويقول فضيلة الدكتور نصر فريد واصل - مفتى الديار المصرية السابق-:
إن مسابقات ملكات الجمال التي تنتهك فيها الحرمات وتظهر عورات الفتيات ويتم تشجيعهن على عدم الالتزام بالحياء وبالأخلاق الإسلامية القويمة :حرام.. حرام.. وغير جائز شرعًا بأى حال.
لأن هذا الأمر لا يمكن أبدا أن يقره الإسلام ولا تقره أخلاق الفطرة لأن الحلال بين والحرام بين وهذا الأمر حرام بيّن وواضح وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة.
وعلى من يشاركون في هذه المسابقات المشبوهة أن يدركوا أن كل ما يؤدى إلى الحرام حرام وكل ما يؤدى إلى الحلال حلال وهذه قاعدة شرعية عامة.
وفي تعليق سابق لشيخ الأزهر السابق الشيخ جاد الحق رحمه الله قال:
يا هول هذا الخبر وما حواه من استعراض لأجساد فتياتنا من سن 15-25 سنة ؛ هل هذا عودة إلى النخاسة والرقيق الأبيض أوقفوا هذه المهازل إننا ندعو جميع المسئولين بالتدخل لوقف مثل هذه المهرجانات الفاسدة المشبوهة والله يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
فواجب على أولي الأمر تجنيب بلاد المسلمين أسباب سخط الله تبارك وتعالى ؛ والبعد عن كل ما يودي بشبابها وفتياتها إلى الهاوية والعياذ بالله .
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله :
مِن البِدَعِ التي وفدتْ إلينا من البيئات الغربيَّة عنا تلك البِدْعة التي ظهرت ضيِّقة النطاق أولاً، ثم أخذتْ تَذِيعُ وتستشري كالوباء، بدعة إقامة المباريات المكشوفة، لاستعراض أجسام النساء، وأَخْذ مقاييس أغلب أطرافهن وأعضائهن، وهُنَّ في حالة أقرب إلى العُرْي والتجرُّد، مما لا يرتضيه عُرْفٌ سليم، ولا تَصَوُّنٌ كريم، ولا دِين إلهيّ يَهدِي إلى سواء السبيل.
إن الإسلام ينظر إلى المرأة على أنها موطن للصيانة والحصانة، فهي رمز العِفَّة والوَقَار، وهؤلاء الذين يُقيمون مباريات ملكات الجمال يتخذون المرأة سلعة مُمْتَهَنَة يتَّجِرُون فيها، إرضاء للرغبات والأهواء وتافه المقاصد.
ولذلك لا ينظر الإسلام إلى هذه المسابقات بعين الرضا أو القبول، ولسنا ندري سرَّ الشَّغَف بإجراء المسابقات بين أجسام النساء المتجرِّدات، وهناك ألوان من المسابقات الكريمة في مجالات العلوم والفنون والآداب والصناعات المختلفة، ويمكن عن طريق هذه المباريات الهادفة إلى التنافس الشريف النظيف وبذْل الجهود والطاقات لإبراز المَلَكات والخيرات في شتى شؤون الحياة ؟.
والأجدر بأبناء الإسلام ألا يُقلِّدوا الغرباء عنهم أو المفسدين منهم تقليدًا أعمى وقد آن الأوان أن يمدُّوا يد الإصلاح والتهذيب إلى هذه المسابقات المتحلِّلة؛ ليقيموها على سواء السبيل، حتى تكون مسابقات يَرْضَى عنها الدِّين الحنيف. أ.هـ
والله أعلم
ما حكم الرحلات التي يقوم بها بعض من الشباب المسلم إلى الشواطئ العامة مع ما فيها بحجة التجمع للخير؟
بسم الله ؛ والحمد لله ؛ والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:ـ
فلا يحق لمسلم أن يحرم ما أحل الله ؛ ولا أن يحل ما حرم الله ؛ ولكن مراعاة الضوابط الشرعية في الحياة اليومية من فقه المسلم .
يقول فضيلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب - من علماء الأزهر الشريف - في هذه الرحلات :ـ
من حق الشباب أن يذهب إلى أي مكان يريده، ويجد فيه ترويحًا عن نفسه ما دام بعيدًا عن رفقاء السوء ودعاة الانحراف والشر.
والشاب المسلم رجل صاحب خلق ودين، وصاحب غاية في الحياة، وهو رصيد لأمته، ونافع لوطنه، وصورة طيبة لدينه، أبرز شيء فيه الأخلاق والصدق والأدب، وهو دائمًا يتزوّد بالنافع من المعرفة والعلم، ويحرص على تثقيف نفسه، يألف الكتاب، ويداوم الاطلاع، ويهتم بقضايا أمته، وهو غيور عليها، ومثل هذا النوع من الشباب الواعي الهادف الأمين الصادق مع نفسه ومع غيره إذا التقى مع آخر كان لقاءً مثمرًا مفيدًا، وكان لقاءً بنّاءً، لأن الجميع كالجسد الواحد، وكاليدين تغسل إحداهما الأخرى، "والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا".
فلا أرى أيّ مانع أبدًا من هذه الرحلات التي تزيد التعارف والتعاون والتفاهم، وتبنى الرجولة، وتقوِّي الروابط، وتنمِّي الأواصر، وتعلم الشباب أن الإنسان لا يعيش لنفسه، ولا لذاته؛ فقديمًا قالوا: (ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط).
لكن يجب في كل الأحوال أن يرتاد الشباب الأماكن النظيفة البعيدة عن الاختلاط والسفور والفوضى، فالشباب هم عدة الأمة، وأمل الحاضر، وحلم المستقبل، ولذلك وجب العمل لراحتهم، وتيسير طرق الخير لهم، وإعانتهم بشتى الوسائل على تحقيق آمالهم وأحلامهم، وتعويدهم الاعتماد على أنفسهم، كما يجب إحاطتهم بشتى وسائل الرعاية والعناية في حلهم وترحالهم.
والله أعلم

0 التعليقات to " ردود وفتاوى "" :
إرسال تعليق