رعاية اليتيم في الإسلام

 
 
 
 
 
 
 

رعاية اليتيم في الإسلام


الحمد لله الَّذي أمر بالإحسانِ إلى اليتيمِ، وكتب لكافله جنة الرضوان، وأَشهد أَن لا إِله إِلاَّ الله وحده لا شريك له، وأَشهد أَنّ محمَّدا عبدالله ورسوله، وجده يتِيما فَآواهُ، وعائلا فأَغناه، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أهل الإِحسان والفضل في التّكريم لليتيم والمجتاج، ورعاة حقوقِ المساكين واليتامى، وعلى من سار على نهجهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدِّين.
إن صنوف البلاء تتعدد ، فمن الناس من يبتلي بالفقر، ومنهم من يبتلى بالمرض، ومنهم من يبتلى بكثرة المال، ومنهم من يبتلى باليتم، ولربما كان هذا الأخير أشد البلاء، ففي اليتم بلاء لليتيم نفسه والأسرة والمجتمع. ومن أجل ذلك اهتم القرآن الكريم بشأن اليتيم اهتماما كبيرا من حيث القيام على رعايته النفسية و الخلقية والإجتماعية، وضمان له العيش الكريم، حتى يصبح عضوا نافعا في مجتمعه. يقول الله تبارك وتعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) الضحى: 9.
تؤكد الآية الكريمة على العناية الكاملة باليتيم والشفقة عليه. وإن سلوكياته المستقبلية مرتهنة بما يتلقاه من العناية أو الإهمال في الصغر. إن تحطيم شخصية الطفل في صغره تكون وبالا ونقمة على المجتمع في كبره. جعل الله سبحانه وتعالى الإحسان الى اليتامى من أعظم القربات ومن أعظم أعمال البر.  يقول الله عز وجل:
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى  وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ …. ) البقرة: 177.
وكفالة اليتيم تعد من أعظم أبواب الخيرفي الإنفاق التي حث عليها القرآن الكريم. يقو ل الله تعالى:
(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الَّلهَ بِهِ عَلِيمٌ) البقرة: 215.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس باليتيم وأشفقهم عليه، حيث أنه صلى الله عليه وسلم  عاش اليتم وذاق مرارته. وقال صلى الله عليه وسلم وهو يبين فضل ومنزلة كافل اليتيم: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا ” ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) البخاري.
قال ابن بطال:  حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك. فيا لها من منزلة كريمة، وصحبة عظيمة. هنيئا لمن وفقه الله لرعاية اليتيم، وهنيئا للفائزين والفائزات بهذا المقام العظيم.

 إدخال البهجة والسرور على اليتيم


لقد سخر الله سبحانه وتعالى المؤمنين والمؤمنات يعطفون على اليتيم، ويعوضون له الحرمان الذي أصابه. إن الإسلام يسعى إلى إدخال البهجة والسرور على اليتيم. إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا ويكشف لنا ما للإحسان الى اليتيم من مزايا النفسية والعاطفية. يروي أبوهريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ » أحمد
. يتبين من هذا الحديث أن كفالة اليتيم هي من الأعمال التي تعالج الأمراض النفسية، وبها تتقوى أيضا روابط الأخوة. إن كفالة اليتيم ترقق القلب وتزيل  قلق النفس، وإن لكفالة اليتيم دورا هاما في استقرار المجتمع. حيث إذا نشأ اليتيم بين قلوب عاطفة، وأيد منفقة نشأ نشأة سوية. يحمل في قلبه المودة والرحمة لمجتمعه. ويصبح في المستقبل عضوا نافعا فيرد الجميل بالجميل، والإحسان بالإحسان.
( هَل جَزَاءُ الإِحسَانِ إِلاَّ الإِحسَانَ )الرحمن : 60.
أما إذا أهمل وهتكت كرامته، وعاش على هامش المجتمع، مشردا لا مأوى يأويه ولا مالا يسد به حاجته. فلا عجب أن يصبح هذا اليتيم مجرما قاطعا للطريق منتقما لحاله، ومهددا لاستقرار المجتمع. إن الجماعة المسلمة مكلفة بأمر من الله سبحانه وتعالى برعاية مصالح اليتامى، وحفظ مكانتهم الإجتماعية.. .يقول تعالى:
  (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ‏) البقرة- 83.
ففي هذه الآية تضمن الميثاق جملة من الأمور التي أمر الله بها:
أولا: عبادته سبحانه وتعالى،
ثانيا: الإحسان إلى الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين .
ثالثا: خطاب الناس بالحسنى،
ورابعا: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
إن تكافل اليتيم والضعيف هي من القواعد الأساسية التي يجب أن يقوم عليها السلوك الانسانى القويم. فاليتيم نوعان: يتيم حقيقة وهو الذي فقد أباه، ويتيم حكما، وهوالذي جهل نسبه. اليتيم لا يقتصر على النوع الأول فقط، بل يشمل كل لقيط وكل مجهول النسب. إن رعاية مجهول النسب أولى من غيرهم. يقول الله تعالى في شأنهم:
(ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الأحزاب:5 .
بارك الله لي ولكم في القران العظيم …ونفعني وإياكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم …أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ


قال الإمام الألوسي: لقد أبدل القرآن الكريم مجهولي النسب – عوضا عن هذا الحرمان – ، نسبا عقديا جديدا ، ورحما دينية، هي وحدها القادرة على جبر هذا الكسر المضاعف في نفوسهم . وفي الآية التي سلف ذكرها نقرأ أن الله سبحانه وتعالى جعل علاقة اليتيم ومجهول النسب بالمجتمع علاقة الأخوة. ويؤكد الله سبحانه وتعالى على هذا المعنى في آية أخرى، حيث يقول الله تبارك تعالى في محكم التنزيل:
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)  البقرة: 220.
الدارس للقرآن والسنة يجد جملة من الفضائل التي تتحقق للفرد والمجتمع بسبب كفالة الأيتام ورعايتهم. ومن هذه الفضائل كما أوردها الدكتورعبد الحق حميش مع قليل من التصرف:
أولا:  كفالة اليتيم تؤدي إلى مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم  في الجنة  وكفى بذلك شرفاً وفخراً، حيث قال صلى الله عليه وسلم:
(أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً).
ثالنيا: كفالة اليتيم والإنفاق عليه وتربيته والعناية به تدل على طبع سليم وفطرة نقية وقلب رحيم
ثالثا: كفالة اليتيم والمسح على رأسه وتطييب خاطره تؤدي إلى ترقيق القلب وتزيل القسوة عنه.
رابعا: كفالة الأيتام تعود على صاحبها بالخير الجزيل والفضل العظيم في الحياة الدنيا والآخرة. قال تعالى)
هَل جَزَاءُ الإِحسَانِ إِلاَّ الإِحسَانَ (الرحمن : 60.
خامسا:  كفالة اليتيم تساهم في بناء مجتمع سليمٍ خالٍ من الحقد والكراهية وتسود فيه روح المحبة والمودة. قال   صلى الله عليه وسلم:
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى) البخاري.
سادسا: إكرام اليتيم  والقيام بأمره ورعايته دليل على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
سابعا: كفالة اليتيم تزكي مال المسلم وتطهره.
ثامنا: كفالة اليتيم من الأخلاق الحميدة التي أقرها الإسلام وامتدح أهلها .
تاسعا:  في كفالة اليتيم بركة عظيمة تحل على الكافل ، وتزيد في رزقه.
عاشرا:  كفالة اليتيم تجعل البيت الذي فيه اليتيم من خير البيوت كما قال صلى الله عليه وسلم:
(خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ) . ابن ماجه.
ربنا لا تدع لنا في هذه الساعة المباركة ذنبا الا غفرته، ولا هما الا فرجته، ولا كربا الا كشفته، ولا دينا الا قضيته، ولا مريضا الا شفيته، ولا ميتا الا رحمته، ولا مبتلى الا عافيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا فيها صلاح الا قضيتها برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهم ارحمنا فإنّك بنا راحم، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر، والْطف بنا فيما جرت به المقادير، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزدْنا علمًا.
subscribe

الاشتراك

ضع إميلك ليصلك كل جديد

oketrik

0 التعليقات to رعاية اليتيم في الإسلام :

إرسال تعليق

 
مدونة حبل الله التصميم والتطوير
عد الى الخلف